اَلْفَصْلُ ٱلتَّاسِعَ عَشَرَ
حمى عائلته، أعالها، وحفِظ الامانة
١، ٢ (أ) أَيَّةُ تَغْيِيرَاتٍ وَاجَهَتْهَا عَائِلَةُ يُوسُفَ؟ (ب) مَا هُوَ ٱلنَّبَأُ ٱلسَّيِّئُ ٱلَّذِي نَقَلَهُ يُوسُفُ إِلَى زَوْجَتِهِ؟
هَا هُوَ يُوسُفُ يُلْقِي حِمْلًا آخَرَ عَلَى ظَهْرِ دَابَّتِهِ. تَخَيَّلْهُ يُجِيلُ ٱلنَّظَرَ فِي قَرْيَةِ بَيْتَ لَحْمَ ٱلْغَارِقَةِ فِي ٱلظَّلَامِ، ثُمَّ يُرَبِّتُ عَلَى جَنْبِ حِمَارِهِ ٱلصَّبُورِ مُفَكِّرًا فِي ٱلرِّحْلَةِ ٱلطَّوِيلَةِ ٱلَّتِي تَنْتَظِرُهُ. إِنَّهُ مُسَافِرٌ إِلَى مِصْرَ؛ بِلَادٌ شَعْبُهَا مُخْتَلِفٌ، لُغَتُهَا جَدِيدَةٌ، وَعَادَاتُهَا غَرِيبَةٌ. فَكَيْفَ لِعَائِلَتِهِ ٱلصَّغِيرَةِ أَنْ تَتَكَيَّفَ مَعَ هٰذِهِ ٱلْحَيَاةِ ٱلْجَدِيدَةِ؟
٢ لَمْ يَكُنْ سَهْلًا عَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَ زَوْجَتَهُ ٱلْحَبِيبَةَ مَرْيَمَ بِٱلنَّبَإِ ٱلسَّيِّئِ. إِلَّا أَنَّهُ تَشَجَّعَ وَأَخْبَرَهَا أَنَّ ٱلْمَلَاكَ تَرَاءَى لَهُ فِي حُلْمٍ وَنَقَلَ إِلَيْهِ هٰذِهِ ٱلرِّسَالَةَ مِنَ ٱللهِ: اَلْمَلِكُ هِيرُودُسُ عَازِمٌ عَلَى قَتْلِ صَغِيرِهِمَا، فَعَلَيْهِمِ ٱلْهَرَبُ دُونَ مُمَاطَلَةٍ! (اقرأ متى ٢:١٣، ١٤.) طَبْعًا، خَضَّ هٰذَا ٱلْخَبَرُ مَرْيَمَ. فَكَيْفَ يَخْطُرُ لِأَحَدٍ قَتْلُ طِفْلِهَا ٱلْبَرِيءِ؟ وَمَعَ أَنَّهَا لَمْ تَسْتَوْعِبْ لَا هِيَ وَلَا يُوسُفُ مَا يَحْدُثُ، وَثِقَا بِيَهْوَهَ وَٱسْتَعَدَّا لِلرَّحِيلِ.
٣ كَيْفَ كَانَ رَحِيلُ يُوسُفَ وَعَائِلَتِهِ مِنْ بَيْتَ لَحْمَ؟ (اُنْظُرْ أَيْضًا ٱلصُّورَةَ.)
٣ كَانَتْ بَيْتَ لَحْمُ مُسْتَغْرِقَةً فِي ٱلنَّوْمِ لَا عِلْمَ لَهَا بِمَا يَجْرِي حِينَ ٱنْسَلَّ مِنْهَا يُوسُفُ وَعَائِلَتُهُ تَحْتَ جُنْحِ ٱللَّيْلِ. وَفِيمَا ٱتَّجَهُوا نَحْوَ ٱلْجَنُوبِ وَضَوْءُ ٱلْفَجْرِ يَلُوحُ فِي ٱلْأُفُقِ شَرْقًا، لَا بُدَّ أَنَّ أَلْفَ هَاجِسٍ وَهَاجِسٍ جَالَ فِي خَاطِرِ يُوسُفَ. فَكَيْفَ لَهُ، هُوَ ٱلنَّجَّارَ ٱلْوَضِيعَ، أَنْ يَحْمِيَ عَائِلَتَهُ مِنْ هِيرُودُسَ وَٱلْقُوَى ٱلشِّرِّيرَةِ وَرَاءَهُ؟ هَلْ يَتَمَكَّنُ دَوْمًا مِنْ تَأْمِينِ لُقْمَةِ ٱلْعَيْشِ لَهَا؟ وَهَلْ يَنْجَحُ فِي حِفْظِ ٱلْأَمَانَةِ ٱلَّتِي ٱسْتَوْدَعَهُ إِيَّاهَا يَهْوَهُ ٱللهُ، أَلَا وَهِيَ رِعَايَةُ وَتَرْبِيَةُ هٰذَا ٱلطِّفْلِ ٱلْمُمَيَّزِ؟ لَقَدِ ٱعْتَرَضَتْ سَبِيلَ يُوسُفَ مَصَاعِبُ كَثِيرَةٌ. وَفِيمَا نَتَأَمَّلُ كَيْفَ ذَلَّلَ كُلًّا مِنْهَا وَتَمَّمَ دَوْرَهُ، نُدْرِكُ لِمَ يَحْسُنُ بِٱلْآبَاءِ ٱلْيَوْمَ وَبِنَا جَمِيعًا ٱلِٱقْتِدَاءُ بِإِيمَانِهِ.
يُوسُفُ حَمَى عَائِلَتَهُ
٤، ٥ (أ) كَيْفَ ٱنْقَلَبَتْ حَيَاةُ يُوسُفَ رَأْسًا عَلَى عَقِبٍ؟ (ب) كَيْفَ شَجَّعَ ٱلْمَلَاكُ يُوسُفَ عَلَى تَحَمُّلِ مَسْؤُولِيَّةٍ ثَقِيلَةٍ؟
٤ قَبْلَ هٰذِهِ ٱلرِّحْلَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، ٱنْقَلَبَتْ حَيَاةُ يُوسُفَ ٱلَّذِي كَانَ يَعِيشُ فِي ٱلنَّاصِرَةِ رَأْسًا عَلَى عَقِبٍ بَعْدَمَا خَطَبَ مَرْيَمَ بِنْتَ هَالِي. فَهُوَ عَهِدَهَا صَبِيَّةً طَاهِرَةً تَتَّقِي ٱللهَ، وَإِذَا بِهَا تُخْبِرُهُ يَوْمًا أَنَّهَا حُبْلَى! فَعَزَمَ أَنْ يُطَلِّقَهَا سِرًّا خَوْفًا مِنْهُ عَلَى سُمْعَتِهَا. * لٰكِنَّ مَلَاكًا قَالَ لَهُ فِي حُلْمٍ إِنَّ مَرْيَمَ حُبْلَى مِنْ رُوحِ يَهْوَهَ ٱلْقُدُسِ، وَإِنَّ مَوْلُودَهَا ‹سَيُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ›. وَطَمْأَنَهُ أَيْضًا: «لَا تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ زَوْجَتَكَ إِلَى بَيْتِكَ». — مت ١:١٨-٢١.
٥ عَمِلَ هٰذَا ٱلرَّجُلُ ٱلْبَارُّ وَٱلْمُطِيعُ بِكَلَامِ ٱلْمَلَاكِ. فَقَبِلَ أَنْ يَتَحَمَّلَ أَثْقَلَ ٱلْمَسْؤُولِيَّاتِ: تَنْشِئَةَ وَرِعَايَةَ وَلَدٍ لَيْسَ مِنْ صُلْبِهِ، لٰكِنَّهُ ٱلْأَعَزُّ عَلَى قَلْبِ ٱللهِ. وَلَاحِقًا، أَخَذَ يُوسُفُ زَوْجَتَهُ ٱلْحُبْلَى إِلَى بَيْتَ لَحْمَ عَمَلًا بِمَرْسُومِ قَيْصَرَ ٱلْقَاضِي بِٱكْتِتَابِ جَمِيعِ ٱلسُّكَّانِ. وَهُنَاكَ وُلِدَ ٱلطِّفْلُ.
٦-٨ (أ) أَيَّةُ أَحْدَاثٍ سَبَقَتْ حُصُولَ تَغْيِيرٍ آخَرَ فِي حَيَاةِ يُوسُفَ وَعَائِلَتِهِ ٱلصَّغِيرَةِ؟ (ب) كَيْفَ نَعْرِفُ أَنَّ ٱلشَّيْطَانَ هُوَ ٱلَّذِي أَرْسَلَ «ٱلنَّجْمَ»؟ (اُنْظُرْ أَيْضًا ٱلْحَاشِيَةَ.)
٦ لَمْ يَرْجِعْ يُوسُفُ بِعَائِلَتِهِ إِلَى ٱلنَّاصِرَةِ، بَلِ ٱسْتَقَرُّوا فِي بَيْتَ لَحْمَ ٱلَّتِي تَبْعُدُ بِضْعَةَ كِيلُومِتْرَاتٍ عَنْ أُورُشَلِيمَ. وَرَغْمَ فَقْرِهِمْ، بَذَلَ يُوسُفُ غَايَةَ جُهْدِهِ لِيُجَنِّبَ مَرْيَمَ وَيَسُوعَ ٱلْعَوَزَ أَوِ ٱلْمُعَانَاةَ. وَلَمْ يَمْضِ وَقْتٌ طَوِيلٌ حَتَّى ٱنْتَقَلُوا إِلَى ٱلْعَيْشِ فِي بَيْتٍ مُتَوَاضِعٍ. بَعْدَ ذٰلِكَ، حِينَ مَا عَادَ يَسُوعُ رَضِيعًا حَدِيثَ ٱلْوِلَادَةِ، بَلْ طِفْلًا تَجَاوَزَ رُبَّمَا سَنَتَهُ ٱلْأُولَى، طَرَأَ مُجَدَّدًا تَغْيِيرٌ عَلَى حَيَاتِهِمْ.
٧ فَثَمَّةَ مَجْمُوعَةٌ مِنَ ٱلْمُنَجِّمِينَ أَتَوْا مِنَ ٱلْمَشْرِقِ، مِنْ بَابِلَ ٱلْبَعِيدَةِ عَلَى أَغْلَبِ ٱلظَّنِّ، إِلَى بَيْتِ يُوسُفَ وَمَرْيَمَ مُسْتَرْشِدِينَ بِمَا ظَنُّوهُ «نَجْمًا». وَكَانُوا يَبْحَثُونَ عَنِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِي سَيُصْبِحُ مَلِكَ ٱلْيَهُودِ. وَقَدْ تَصَرَّفُوا بِمُنْتَهَى ٱلِٱحْتِرَامِ.
٨ غَيْرَ أَنَّهُمْ عَرَّضُوا حَيَاةَ ٱلطِّفْلِ يَسُوعَ لِخَطَرٍ كَبِيرٍ، سَوَاءٌ عَلِمُوا بِذٰلِكَ أَوْ لَا. فَهٰذَا «ٱلنَّجْمُ» ٱلَّذِي ٱهْتَدَوْا بِهِ لَمْ يَأْخُذْهُمْ فِي ٱلْبِدَايَةِ إِلَى بَيْتَ لَحْمَ، بَلْ * وَهُنَاكَ أَخْبَرُوا ٱلْمَلِكَ ٱلشِّرِّيرَ هِيرُودُسَ أَنَّهُمْ يُفَتِّشُونَ عَنْ طِفْلٍ سَيَصِيرُ مَلِكَ ٱلْيَهُودِ، خَبَرٌ أَغَاظَ ٱلْمَلِكَ ٱلْحَسُودَ وَأَثَارَ حَنَقَهُ.
إِلَى أُورُشَلِيمَ.٩-١١ (أ) لِمَ نَقُولُ إِنَّ قُوَّةً أَعْظَمَ بِكَثِيرٍ مِنْ هِيرُودُسَ وَٱلشَّيْطَانِ كَانَتْ تَعْمَلُ وَرَاءَ ٱلْكَوَالِيسِ؟ (ب) كَيْفَ تَخْتَلِفُ ٱلرِّحْلَةُ إِلَى مِصْرَ عَمَّا تُصَوِّرُهُ ٱلْأَسَاطِيرُ وَٱلْخُرَافَاتُ ٱلْأَبُوكْرِيفِيَّةُ؟
٩ لٰكِنَّ ٱلْمُفْرِحَ أَنَّ قُوَّةً أَعْظَمَ بِكَثِيرٍ مِنْ هِيرُودُسَ وَٱلشَّيْطَانِ كَانَتْ تَعْمَلُ وَرَاءَ ٱلْكَوَالِيسِ. كَيْفَ ذٰلِكَ؟ عِنْدَمَا وَصَلَ هٰؤُلَاءِ ٱلزُّوَّارُ إِلَى بَيْتِ يَسُوعَ وَرَأَوْهُ مَعَ أُمِّهِ، قَدَّمُوا لَهُ ٱلْهَدَايَا دُونَ أَيِّ مُقَابِلٍ. وَكَمِ ٱسْتَغْرَبَ يُوسُفُ وَمَرْيَمُ دُونَ شَكٍّ حِينَ أَصْبَحَ فِي حَوْزَتِهِمَا بَيْنَ عَشِيَّةٍ وَضُحَاهَا مُقْتَنَيَاتٌ نَفِيسَةٌ مِنْ ‹ذَهَبٍ وَلُبَانٍ وَمُرٍّ›! وَمَعَ أَنَّ ٱلْمُنَجِّمِينَ كَانُوا عَازِمِينَ عَلَى ٱلرُّجُوعِ إِلَى ٱلْمَلِكِ هِيرُودُسَ وَإِخْبَارِهِ بِمَكَانِ ٱلطِّفْلِ، تَدَخَّلَ يَهْوَهُ وَأَرْشَدَهُمْ بِوَاسِطَةِ حُلْمٍ أَنْ يَعُودُوا إِلَى بِلَادِهِمْ عَبْرَ طَرِيقٍ أُخْرَى. — اقرأ متى ٢:١-١٢.
١٠ بُعَيْدَ ٱنْصِرَافِ ٱلْمُنَجِّمِينَ، حَذَّرَ مَلَاكُ يَهْوَهَ يُوسُفَ قَائِلًا: «قُمْ وَخُذِ ٱلصَّغِيرَ وَأُمَّهُ وَٱهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَٱبْقَ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ، لِأَنَّ هِيرُودُسَ سَيَبْحَثُ عَنِ ٱلصَّغِيرِ لِيُهْلِكَهُ». (مت ٢:١٣) وَحَسْبَمَا رَأَيْنَا فِي مُسْتَهَلِّ ٱلْفَصْلِ، أَطَاعَ يُوسُفُ فِي ٱلْحَالِ وَأَخَذَ عَائِلَتَهُ إِلَى مِصْرَ، وَاضِعًا سَلَامَةَ ٱلطِّفْلِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ. وَيُرَجَّحُ أَنَّهُ ٱسْتَطَاعَ تَغْطِيَةَ نَفَقَاتِ ٱلسَّفَرِ وَٱلْإِقَامَةِ هُنَاكَ بِفَضْلِ ٱلْهَدَايَا ٱلْقَيِّمَةِ ٱلَّتِي أَتَى بِهَا ٱلْمُنَجِّمُونَ ٱلْوَثَنِيُّونَ.
١١ إِنَّ هٰذِهِ ٱلرِّحْلَةَ إِلَى مِصْرَ صُوِّرَتْ لَاحِقًا فِي ٱلْأَسَاطِيرِ وَٱلْخُرَافَاتِ ٱلْأَبُوكْرِيفِيَّةِ تَصْوِيرًا خَيَالِيًّا يُوحِي بِأَنَّهَا رِحْلَةٌ هَيِّنَةٌ لَا صُعُوبَاتٍ فِيهَا. فَزَعَمَتْ أَنَّ ٱلصَّغِيرَ يَسُوعَ ٱسْتَطَاعَ عَجَائِبِيًّا أَنْ يَجْعَلَ ٱلرِّحْلَةَ قَصِيرَةً، وَقُطَّاعَ ٱلطُّرُقِ مُسَالِمِينَ، وَأَشْجَارَ ٱلنَّخْلِ تَنْحَنِي أَمَامَ أُمِّهِ لِتَقْطِفَ ثِمَارَهَا. * لٰكِنَّ ٱلْحَقِيقَةَ هِيَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ سِوَى سَفْرَةٍ طَوِيلَةٍ شَاقَّةٍ إِلَى ٱلْمَجْهُولِ.
ضَحَّى يُوسُفُ بِرَاحَتِهِ ٱلشَّخْصِيَّةِ مِنْ أَجْلِ عَائِلَتِهِ
١٢ كَيْفَ يُفِيدُ مِثَالُ يُوسُفَ ٱلْوَالِدِينَ ٱلَّذِينَ يُرَبُّونَ أَوْلَادًا فِي هٰذَا ٱلْعَالَمِ ٱلشِّرِّيرِ؟
١٢ مَا أَكْثَرَ ٱلْعِبَرَ ٱلَّتِي يَأْخُذُهَا ٱلْوَالِدُونَ ٱلْمَسِيحِيُّونَ مِنْ يُوسُفَ! فَهُوَ لَمْ يَتَرَدَّدْ فِي وَضْعِ عَمَلِهِ جَانِبًا وَٱلتَّضْحِيَةِ بِرَاحَتِهِ ٱلشَّخْصِيَّةِ كَيْ يَحْمِيَ عَائِلَتَهُ مِنَ
ٱلْخَطَرِ. فَقَدِ ٱعْتَبَرَهَا أَمَانَةً مُقَدَّسَةً تَرَكَهَا يَهْوَهُ فِي حِفْظِهِ. وَٱلْيَوْمَ، يُرَبِّي ٱلْوَالِدُونَ أَوْلَادَهُمْ وَسْطَ عَالَمٍ شِرِّيرٍ مَلِيءٍ بِٱلْمَخَاطِرِ ٱلَّتِي يُمْكِنُ أَنْ تَدْفَعَ ٱلْمُرَاهِقِينَ إِلَى ٱرْتِكَابِ ٱلْخَطَإِ، أَوْ تُسَبِّبَ لَهُمُ ٱلْأَلَمَ، أَوْ تُدَمِّرَ حَيَاتَهُمْ أَيْضًا. فَكَمْ جَدِيرُونَ بِٱلثَّنَاءِ هُمُ ٱلْآبَاءُ وَٱلْأُمَّهَاتُ ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ إِجْرَاءَاتٍ حَاسِمَةً، عَلَى غِرَارِ يُوسُفَ، لِحِمَايَةِ بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ مِنْ هٰذِهِ ٱلتَّأْثِيرَاتِ!يُوسُفُ أَعَالَ عَائِلَتَهُ
١٣، ١٤ كَيْفَ ٱنْتَهَى ٱلْأَمْرُ بِيُوسُفَ وَمَرْيَمَ فِي ٱلنَّاصِرَةِ؟
١٣ يَبْدُو أَنَّ عَائِلَةَ يُوسُفَ لَمْ تَمْكُثْ مُطَوَّلًا فِي مِصْرَ، لِأَنَّ ٱلْمَلَاكَ سُرْعَانَ مَا أَخْبَرَهُ أَنَّ هِيرُودُسَ مَاتَ. فَعَادَ هُوَ وَعَائِلَتُهُ إِلَى مَوْطِنِهِمْ، مُسَاهِمًا بِذٰلِكَ فِي إِتْمَامِ نُبُوَّةٍ قَدِيمَةٍ تَقُولُ إِنَّ يَهْوَهَ سَيَدْعُو ٱبْنَهُ «مِنْ مِصْرَ». (مت ٢:١٥) وَلٰكِنْ أَيْنَ كَانَ سَيَسْتَقِرُّ ٱلْآنَ؟
١٤ تَوَخَّى يُوسُفُ ٱلْحِيطَةَ وَٱلْحَذَرَ خَوْفًا مِنْ أَرْخِيلَاوُسَ، خَلِيفَةِ هِيرُودُسَ، ٱلَّذِي كَانَ هُوَ ٱلْآخَرُ طَاغِيَةً وَقَتَّالًا. وَبِتَوْجِيهٍ مِنَ ٱللهِ، أَخَذَ عَائِلَتَهُ شَمَالًا إِلَى مُقَاطَعَةِ ٱلْجَلِيلِ، بَعِيدًا عَنْ أُورُشَلِيمَ وَمَا يُحَاكُ فِيهَا مِنْ مَكَايِدَ، وَسَكَنَ فِي مَسْقَطِ رَأْسِهِ ٱلنَّاصِرَةِ حَيْثُ رَبَّى هُوَ وَمَرْيَمُ عَائِلَتَهُمَا. — اقرأ متى ٢:١٩-٢٣.
١٥، ١٦ عَلَامَ ٱنْطَوَى عَمَلُ يُوسُفَ، وَمَا هِيَ ٱلْأَدَوَاتُ ٱلَّتِي ٱسْتَخْدَمَهَا؟
١٥ اِتَّسَمَتْ حَيَاةُ هٰذِهِ ٱلْأُسْرَةِ بِٱلْبَسَاطَةِ، لٰكِنَّهَا لَمْ تَخْلُ مِنَ ٱلتَّعَبِ. فَٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ يُشِيرُ إِلَى يُوسُفَ بِٱلنَّجَّارِ. وَٱشْتَمَلَتْ حِرْفَةُ ٱلنِّجَارَةِ عَلَى قَطْعِ أَخْشَابِ ٱلشَّجَرِ وَنَقْلِهَا وَتَجْفِيفِهَا لِٱسْتِخْدَامِهَا فِي بِنَاءِ ٱلْبُيُوتِ وَٱلْجُسُورِ ٱلصَّغِيرَةِ، وَفِي صُنْعِ ٱلْمَرَاكِبِ، ٱلْعَرَبَاتِ، ٱلْعَجَلَاتِ، ٱلْأَنْيَارِ، وَشَتَّى ٱلْمُعَدَّاتِ ٱلزِّرَاعِيَّةِ. (مت ١٣:٥٥) لَقَدِ ٱسْتَلْزَمَ إِنْجَازُ هٰذِهِ ٱلْأَعْمَالِ بَذْلَ مَجْهُودٍ جَسَدِيٍّ كَبِيرٍ. وَفِي أَزْمِنَةِ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ، غَالِبًا مَا كَانَ ٱلنَّجَّارُ يَعْمَلُ قُرْبَ مَدْخَلِ بَيْتِهِ ٱلْمُتَوَاضِعِ، أَوْ فِي مَشْغَلٍ مُلَاصِقٍ لَهُ.
١٦ وَقَدِ ٱسْتَعَانَ يُوسُفُ بِمَجْمُوعَةٍ كَبِيرَةٍ مِنْ أَدَوَاتِ ٱلنِّجَارَةِ ٱلَّتِي يُرَجَّحُ أَنَّهُ وَرِثَ بَعْضًا مِنْهَا عَنْ أَبِيهِ. فَلَعَلَّ عُدَّتَهُ ضَمَّتْ شَاقُولًا، زَاوِيَةً قَائِمَةً، طَبْشُورَةً، فَأْسًا، مِنْشَارًا، مِطْرَقَةً، قَدُّومًا، إِزْمِيلًا، مِثْقَابًا قَوْسِيًّا، أَنْوَاعًا مُتَعَدِّدَةً مِنَ ٱلْغِرَاءِ، وَبَعْضَ ٱلْمَسَامِيرِ مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ مُكَلِّفَةً.
١٧، ١٨ (أ) مَاذَا تَعَلَّمَ يَسُوعُ مِنْ أَبِيهِ بِٱلتَّبَنِّي؟ (ب) لِمَ وَجَبَ عَلَى يُوسُفَ أَنْ يَبْذُلَ ٱلْمَزِيدَ مِنَ ٱلْجُهْدِ فِي عَمَلِهِ؟
١٧ تَخَيَّلِ ٱلصَّبِيَّ يَسُوعَ يَتَتَبَّعُ بِدِقَّةٍ وَٱنْتِبَاهٍ كُلَّ حَرَكَةٍ يَقُومُ بِهَا أَبُوهُ بِٱلتَّبَنِّي أَثْنَاءَ ٱلْعَمَلِ. وَلَا شَكَّ أَنَّهُ ٱزْدَادَ تَقْدِيرًا لَهُ وَهُوَ يَرَى مَهَارَتَهُ فِي ٱلنِّجَارَةِ، ذَكَاءَهُ ٱلْمُتَّقِدَ، وَٱلْقُوَّةَ فِي مَنْكِبَيْهِ ٱلْعَرِيضَيْنِ وَذِرَاعَيْهِ ٱلشَّدِيدَتَيْنِ. وَمِنَ ٱلْمُحْتَمَلِ أَنَّ يُوسُفَ دَرَّبَ ٱبْنَهُ فِي ٱلْبِدَايَةِ عَلَى مَهَامَّ بَسِيطَةٍ، كَٱسْتِخْدَامِ جِلْدِ ٱلسَّمَكِ ٱلْمُجَفَّفِ لِتَمْلِيسِ ٱلْأَجْزَاءِ ٱلْخَشِنَةِ مِنَ ٱلْخَشَبِ. وَعَلَّمَهُ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ ٱلْفَرْقَ بَيْنَ مُخْتَلِفِ أَنْوَاعِ ٱلْأَخْشَابِ، مِثْلِ ٱلْجُمَّيْزِ وَٱلسِّنْدِيَانِ وَٱلزَّيْتُونِ.
١٨ تَعَلَّمَ يَسُوعُ كَذٰلِكَ أَنَّ هَاتَيْنِ ٱلْيَدَيْنِ ٱلْقَوِيَّتَيْنِ ٱللَّتَيْنِ قَطَعَتَا ٱلْأَشْجَارَ وَصَنَعَتَا ٱلْأَلْوَاحَ ٱلْخَشَبِيَّةَ وَأَوْصَلَتَا بَعْضَهَا بِبَعْضٍ هُمَا أَيْضًا يَدَانِ حَنُونَتَانِ أَحَاطَتَاهُ بِلُطْفٍ هُوَ وَأُمَّهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ وَغَمَرَتَاهُمْ بِٱلْمَحَبَّةِ وَٱلرِّعَايَةِ. فَقَدَ أَسَّسَ يُوسُفُ وَمَرْيَمُ عَائِلَةً كَبِيرَةً ضَمَّتْ مَا لَا يَقِلُّ عَنْ سِتَّةِ أَوْلَادٍ إِضَافَةً إِلَى يَسُوعَ. (مت ١٣:٥٥، ٥٦) لِذَا، كَانَ عَلَى يُوسُفَ أَنْ يَبْذُلَ ٱلْمَزِيدَ مِنَ ٱلْجُهْدِ لِلِٱعْتِنَاءِ بِهِمْ وَإِعَالَتِهِمْ.
كَانَ ٱلِٱهْتِمَامُ بِحَاجَاتِ ٱلْعَائِلَةِ ٱلرُّوحِيَّةِ يَشْغَلُ ٱلْمَرْتَبَةَ ٱلْأُولَى فِي نَظَرِ يُوسُفَ
١٩ كَيْفَ ٱهْتَمَّ يُوسُفُ بِحَاجَاتِ عَائِلَتِهِ ٱلرُّوحِيَّةِ؟
١٩ غَيْرَ أَنَّ ٱلِٱهْتِمَامَ بِحَاجَاتِ ٱلْعَائِلَةِ ٱلرُّوحِيَّةِ شَغَلَ ٱلْمَرْتَبَةَ ٱلْأُولَى فِي نَظَرِ يُوسُفَ. لِذَا صَرَفَ ٱلْوَقْتَ فِي تَعْلِيمِ أَوْلَادِهِ عَنْ يَهْوَهَ ٱللهِ وَشَرَائِعِهِ. وَدَاوَمَ هُوَ وَمَرْيَمُ عَلَى أَخْذِهِمْ إِلَى ٱلْمَجْمَعِ حَيْثُ تُقْرَأُ ٱلشَّرِيعَةُ بِصَوْتٍ عَالٍ وَتُفَسَّرُ. وَبَعْدَ رُجُوعِهِمْ، لَرُبَّمَا كَانَتْ تُرَاوِدُ يَسُوعَ أَسْئِلَةٌ كَثِيرَةٌ حَاوَلَ يُوسُفُ جَاهِدًا أَنْ يُجِيبَهُ عَنْهَا وَيُشْبِعَ جُوعَهُ ٱلرُّوحِيَّ. كَمَا ٱعْتَادَ هٰذَا ٱلْأَبُ ٱلْفَاضِلُ ٱصْطِحَابَ عَائِلَتِهِ إِلَى ٱلِٱحْتِفَالَاتِ ٱلدِّينِيَّةِ فِي أُورُشَلِيمَ. فَفِي عِيدِ ٱلْفِصْحِ كُلَّ سَنَةٍ، كَانَ يَأْخُذُهُمْ فِي رِحْلَةٍ تَسْتَغْرِقُ حَوَالَيْ أُسْبُوعَيْنِ يَقْطَعُونَ خِلَالَهَا نَحْوَ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ كِيلُومِتْرًا إِلَى أُورُشَلِيمَ، يَحْضُرُونَ ٱلِٱحْتِفَالَ، وَمِنْ ثَمَّ يَعُودُونَ أَدْرَاجَهُمْ إِلَى ٱلنَّاصِرَةِ.
٢٠ كَيْفَ يُمْكِنُ لِرُؤُوسِ ٱلْعَائِلَاتِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ أَنْ يَسِيرُوا عَلَى مِنْوَالِ يُوسُفَ؟
٢٠ فِي أَيَّامِنَا هٰذِهِ، يَسِيرُ رُؤُوسُ ٱلْعَائِلَاتِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ عَلَى ٱلْمِنْوَالِ ذَاتِهِ. فَنَرَاهُمْ يُقَدِّمُونَ ٱلتَّضْحِيَاتِ لِأَجْلِ أَوْلَادِهِمْ، إِذْ يُعْطُونَ تَدْرِيبَهُمُ ٱلرُّوحِيَّ ٱلْأَوْلَوِيَّةَ عَلَى كُلِّ ٱلْمَسَاعِي ٱلْأُخْرَى، بِمَا فِيهَا تَأْمِينُ حَاجَاتِهِمِ ٱلْمَادِّيَّةِ. وَهُمْ يَبْذُلُونَ جُهُودًا دَؤُوبَةً لِعَقْدِ ٱلْعِبَادَةِ ٱلْعَائِلِيَّةِ وَأَخْذِهِمْ إِلَى ٱلِٱجْتِمَاعَاتِ وَٱلْمَحَافِلِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ. فَعَلَى غِرَارِ يُوسُفَ، يُدْرِكُونَ أَنَّ مَا مِنِ ٱسْتِثْمَارٍ أَفْضَلَ يَعُودُ عَلَى أَوْلَادِهِمْ بِٱلْفَائِدَةِ.
«فِي كَرْبٍ»
٢١ كَيْفَ كَانَ مَوْسِمُ عِيدِ ٱلْفِصْحِ يَمُرُّ عَلَى عَائِلَةِ يُوسُفَ، وَمَتَى ٱفْتَقَدَ يُوسُفُ وَمَرْيَمُ ٱبْنَهُمَا يَسُوعَ؟
٢١ حِينَ كَانَ يَسُوعُ بِعُمْرِ ١٢ سَنَةً، أَتَى يُوسُفُ بِأُسْرَتِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ مِثْلَ ٱلْعَادَةِ مِنْ أَجْلِ ٱلِٱحْتِفَالِ بِٱلْفِصْحِ. وَقَدْ كَانَتِ ٱلْعَائِلَاتُ ٱلْكَبِيرَةُ تُسَافِرُ مَعًا فِي قَوَافِلَ مُتَتَابِعَةٍ. فَيَجْتَازُونَ ٱلرِّيفَ ٱلْأَخْضَرَ ٱلْجَمِيلَ، ثُمَّ يَدْنُونَ مِنَ ٱلْمَنَاطِقِ ٱلْأَقَلِّ ٱخْضِرَارًا بِجِوَارِ أُورُشَلِيمَ ٱلْجَاثِمَةِ فِي أَعْلَى ٱلْجَبَلِ، فَيَبْدَأُ كَثِيرُونَ بِإِنْشَادِ تَرَانِيمِ ٱلْمَصَاعِدِ ٱلشَّهِيرَةِ. (مز ١٢٠–١٣٤) وَفِي ٱلْمَدِينَةِ، يَحْتَفِلُونَ بِٱلْعِيدِ هُمْ وَمِئَاتُ آلَافِ ٱلنَّاسِ. وَعِنْدَ ٱنْقِضَائِهِ، يَهُمُّونَ مَعَ قَوَافِلِهِمْ بِٱلرُّجُوعِ إِلَى دِيَارِهِمْ. فِي تِلْكَ ٱلْمُنَاسَبَةِ ظَنَّ يُوسُفُ وَمَرْيَمُ، لِكَثْرَةِ ٱنْشِغَالِهِمَا عَلَى مَا يَبْدُو، أَنَّ يَسُوعَ بِرِفْقَةِ جَمَاعَةِ ٱلْمُسَافِرِينَ، رُبَّمَا أَفْرَادِ ٱلْعَائِلَةِ ٱلْآخَرِينَ. وَلَمْ يُدْرِكَا ٱخْتِفَاءَهُ إِلَّا بَعْدَ ٱبْتِعَادِهِمَا مَسِيرَةَ يَوْمٍ عَنْ أُورُشَلِيمَ. — لو ٢:٤١-٤٤.
٢٢، ٢٣ مَاذَا فَعَلَ يُوسُفُ وَمَرْيَمُ عِنْدَمَا لَاحَظَا ٱخْتِفَاءَ ٱبْنِهِمَا، وَأَيَّةُ كَلِمَاتٍ تَفَوَّهَتْ بِهَا مَرْيَمُ حِينَ وَجَدَاهُ؟
٢٢ أَسْرَعَ يُوسُفُ وَمَرْيَمُ بِٱلْعَوْدَةِ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَقَدِ ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمَا ٱلْقَلَقُ ٱلشَّدِيدُ. تَصَوَّرْ كَمْ بَدَتْ لَهُمَا ٱلْمَدِينَةُ فَارِغَةً وَغَرِيبَةً وَهُمَا يَجُوبَانِ ٱلشَّوَارِعَ وَيُنَادِيَانِ ٱبْنَهُمَا بِصَوْتٍ عَالٍ. أَيْنَ هُوَ يَا تُرَى؟ وَكَيْفَ شَعَرَ يُوسُفُ بَعْدَ أَنْ مَضَتْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَهُمْ يَبْحَثُونَ عَنْهُ؟ هَلْ أَخَذَ يَلُومُ نَفْسَهُ عَلَى إِخْفَاقِهِ فِي ٱلْحِفَاظِ عَلَى ٱلْأَمَانَةِ ٱلْمُقَدَّسَةِ ٱلَّتِي وَضَعَهَا يَهْوَهُ فِي عُهْدَتِهِ؟ أَخِيرًا، قَصَدَ يُوسُفُ وَمَرْيَمُ ٱلْهَيْكَلَ لو ٢:٤٥، ٤٦.
حَيْثُ وَاصَلَا ٱلتَّفْتِيشَ إِلَى أَنْ وَجَدَا ٱبْنَهُمَا فِي غُرْفَةٍ كَبِيرَةٍ جَالِسًا وَسْطَ مُعَلِّمِينَ مُتَضَلِّعِينَ مِنَ ٱلشَّرِيعَةِ. وَيَا لَلرَّاحَةِ ٱلَّتِي أَحَسَّا بِهَا فِي تِلْكَ ٱللَّحْظَةِ! —٢٣ كَانَ يَسُوعُ يُصْغِي إِلَى هٰؤُلَاءِ ٱلْمُتَعَلِّمِينَ وَيَطْرَحُ عَلَيْهِمِ ٱلْأَسْئِلَةَ بِحَمَاسَةٍ مُتَّقِدَةٍ. فَبُهِتُوا جَمِيعُهُمْ مِنْ فَهْمِهِ وَأَجْوِبَتِهِ. أَمَّا مَرْيَمُ وَيُوسُفُ فَأُصِيبَا بِٱلذُّهُولِ. يَقُولُ ٱلسِّجِلُّ إِنَّ يُوسُفَ ظَلَّ صَامِتًا، فِي حِينِ تَفَوَّهَتْ مَرْيَمُ بِكَلِمَاتٍ عَبَّرَتْ عَنْ مَشَاعِرِهِمَا كِلَيْهِمَا، قَائِلَةً: «يَا وَلَدِي، لِمَاذَا فَعَلْتَ بِنَا هٰكَذَا؟ هُوَذَا أَبُوكَ وَأَنَا كُنَّا فِي كَرْبٍ نُفَتِّشُ عَنْكَ». — لو ٢:٤٧، ٤٨.
٢٤ كَيْفَ يَرْسُمُ ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ صُورَةً وَاقِعِيَّةً لِتَرْبِيَةِ ٱلْأَوْلَادِ؟
٢٤ مِنْ خِلَالِ هٰذِهِ ٱلرِّوَايَةِ ٱلْقَصِيرَةِ ٱلْمُعَبِّرَةِ، يَرْسُمُ ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ صُورَةً وَاقِعِيَّةً لِتَرْبِيَةِ ٱلْأَوْلَادِ. فَهِيَ شَاقَّةٌ وَمُجْهِدَةٌ وَإِنْ كَانَ ٱلْوَلَدُ كَامِلًا. وَفِي عَالَمِنَا ٱلْخَطِرِ ٱلْيَوْمَ، قَدْ تُسَبِّبُ تَرْبِيَةُ ٱلْأَوْلَادِ ‹كَرْبًا›، أَوْ غَمًّا، شَدِيدًا يُثْقِلُ ٱلْكَاهِلَ. فَكَمْ يَتَعَزَّى ٱلْآبَاءُ وَٱلْأُمَّهَاتُ حِينَ يَرَوْنَ أَنَّ كَلِمَةَ ٱللهِ تَتَعَاطَفُ مَعَهُمْ وَتَتَحَدَّثُ عَنِ ٱلصُّعُوبَاتِ ٱلَّتِي يُوَاجِهُونَهَا!
٢٥، ٢٦ بِمَ أَجَابَ يَسُوعُ وَالِدَيْهِ، وَكَيْفَ رُبَّمَا شَعَرَ يُوسُفُ حِيَالَ كَلِمَاتِ ٱبْنِهِ؟
٢٥ لَقَدْ قَصَدَ يَسُوعُ ٱلْمَكَانَ ٱلْوَحِيدَ فِي ٱلْعَالَمِ حَيْثُ يَكُونُ أَقْرَبَ مَا يُمْكِنُ لو ٢:٤٩.
إِلَى أَبِيهِ ٱلسَّمَاوِيِّ، يَهْوَهَ، وَيَرْوِي عَطَشَهُ إِلَى ٱلتَّعَلُّمِ عَنْهُ قَدْرَ ٱلْإِمْكَانِ. لِذٰلِكَ أَجَابَ وَالِدَيْهِ بِمَشَاعِرَ صَادِقَةٍ: «لِمَاذَا تُفَتِّشَانِ عَنِّي؟ أَلَمْ تَعْلَمَا أَنَّنِي لَا بُدَّ أَنْ أَكُونَ فِي بَيْتِ أَبِي؟». —٢٦ لَا شَكَّ أَنَّ يُوسُفَ قَلَّبَ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ فِي رَأْسِهِ مِرَارًا وَتَكْرَارًا. وَلَعَلَّهُ شَعَرَ بِٱلْفَخْرِ وَٱلِٱعْتِزَازِ. فَقَدْ أَثْمَرَتِ ٱلْجُهُودُ ٱلْكَبِيرَةُ ٱلَّتِي بَذَلَهَا لِيُنَمِّيَ فِي قَلْبِ ٱبْنِهِ بِٱلتَّبَنِّي هٰذِهِ ٱلْمَشَاعِرَ تِجَاهَ يَهْوَهَ ٱللهِ. وَمِنَ ٱلْوَاضِحِ أَنَّ ٱلصَّبِيَّ يَسُوعَ كَانَ قَدْ لَمَسَ آنَذَاكَ مَا تَحْمِلُهُ ٱلْأُبُوَّةُ مِنْ مَعَانٍ حَنُونَةٍ وَرَقِيقَةٍ، هٰذِهِ ٱلْمَعَانِي ٱلَّتِي جَسَّدَهَا وَالِدُهُ ٱلْمُحِبُّ يُوسُفُ طَوَالَ سَنَوَاتٍ.
٢٧ مَا هُوَ دَوْرُكَ كَوَالِدٍ، وَلِمَ يَنْبَغِي أَنْ تَتَذَكَّرَ مِثَالَ يُوسُفَ؟
٢٧ إِذَا كُنْتَ وَالِدًا، فَهَلْ تُقَدِّرُ دَوْرَكَ فِي مُسَاعَدَةِ أَوْلَادِكَ قَوْلًا وَعَمَلًا أَنْ يَرَوْا يَهْوَهَ أَبًا سَمَاوِيًّا يُحِبُّهُمْ وَيُحِيطُهُمْ بِحِمَايَتِهِ؟ وَفِي حَالِ ضَمَّتْ عَائِلَتُكَ أَوْلَادًا بِٱلتَّبَنِّي أَوْ أَوْلَادًا لِرَفِيقِ زَوَاجِكَ، أَوَلَيْسَ مُلَائِمًا أَنْ تَتَذَكَّرَ مِثَالَ يُوسُفَ وَتَعْتَبِرَ كُلًّا مِنْهُمْ وَلَدًا مُمَيَّزًا وَغَالِيًا عَلَى قَلْبِكَ؟ سَاعِدْهُمْ أَيْضًا عَلَى ٱلِٱقْتِرَابِ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ إِلَى أَبِيهِمِ ٱلسَّمَاوِيِّ، يَهْوَهَ ٱللهِ. — اقرأ افسس ٦:٤.
يُوسُفُ حَفِظَ ٱلْأَمَانَةَ
٢٨، ٢٩ (أ) مَاذَا تَكْشِفُ ٱلْكَلِمَاتُ ٱلْمُسَجَّلَةُ فِي لوقا ٢:٥١، ٥٢ عَنْ يُوسُفَ؟ (ب) كَيْفَ سَاعَدَ يُوسُفُ ٱبْنَهُ أَنْ يَنْمُوَ فِي ٱلْحِكْمَةِ؟
٢٨ لَا يُخْبِرُنَا ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ سِوَى مَعْلُومَاتٍ قَلِيلَةٍ عَنْ بَاقِي حَيَاةِ يُوسُفَ، لٰكِنَّ ٱلتَّأَمُّلَ فِيهَا يَكْشِفُ لَنَا ٱلْكَثِيرَ. فَٱلسِّجِلُّ يَقُولُ إِنَّ يَسُوعَ «بَقِيَ خَاضِعًا لَهُمَا»، أَيْ لِوَالِدَيْهِ، وَإِنَّهُ كَانَ «يَتَقَدَّمُ فِي ٱلْحِكْمَةِ وَٱلْقَامَةِ وَٱلْحُظْوَةِ عِنْدَ ٱللهِ وَٱلنَّاسِ». (اقرأ لوقا ٢:٥١، ٥٢.) فَمَاذَا نَسْتَشِفُّ مِنْ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ بِشَأْنِ يُوسُفَ؟ حَقَائِقَ عَدِيدَةً. فَكَمَا يَتَّضِحُ، ٱسْتَمَرَّ يَأْخُذُ ٱلْقِيَادَةَ فِي عَائِلَتِهِ لِأَنَّ ٱبْنَهُ ٱلْكَامِلَ ٱحْتَرَمَ سُلْطَتَهُ وَبَقِيَ خَاضِعًا لَهُ.
٢٩ قَرَأْنَا أَيْضًا أَنَّ يَسُوعَ ظَلَّ يَنْمُو فِي ٱلْحِكْمَةِ. وَغَنِيٌّ عَنِ ٱلْقَوْلِ إِنَّ يُوسُفَ أَسْهَمَ إِلَى حَدٍّ كَبِيرٍ فِي تَقَدُّمِ ٱبْنِهِ فِي هٰذَا ٱلْمَجَالِ. فِي ذٰلِكَ ٱلزَّمَانِ، دَرَجَ بَيْنَ ٱلْيَهُودِ قَوْلٌ مَأْثُورٌ لَا يَزَالُ مَحْفُوظًا حَتَّى ٱلْيَوْمِ. وَمَفَادُهُ أَنَّ ٱلْحِكْمَةَ حُكْرٌ عَلَى أَصْحَابِ ٱلْمَالِ وَٱلسُّلْطَةِ، فِي حِينِ أَنَّ ٱلْعُمَّالَ وَٱلْحِرَفِيِّينَ — كَٱلنَّجَّارِينَ وَٱلْمُزَارِعِينَ وَٱلْحَدَّادِينَ — «لَيْسَ فِي وِسْعِهِمْ أَنْ يَنْطِقُوا بِٱلْعَدْلِ أَوِ ٱلْقَضَاءِ، وَلَا مَكَانَ لَهُمْ بَيْنَ ٱلَّذِينَ يَضْرِبُونَ ٱلْأَمْثَالَ». لٰكِنَّ يَسُوعَ بَرْهَنَ بُطْلَ هٰذَا ٱلْقَوْلِ حِينَ أَصْبَحَ رَاشِدًا. وَلَا يُمْكِنُ إِنْكَارُ دَوْرِ أَبِيهِ فِي ذٰلِكَ مَعَ أَنَّهُ نَجَّارٌ مُتَوَاضِعٌ. فَلَا رَيْبَ أَنَّ يَسُوعَ فِي صِبَاهُ أَصْغَى إِلَيْهِ مَرَّاتٍ وَمَرَّاتٍ يُعَلِّمُهُ عَنْ ‹عَدْلِ وَقَضَاءِ› يَهْوَهَ.
٣٠ أَيُّ مِثَالٍ يَرْسُمُهُ يُوسُفُ لِرُؤُوسِ ٱلْعَائِلَاتِ ٱلْيَوْمَ؟
٣٠ عِلَاوَةً عَلَى ذٰلِكَ، كَانَ لِيُوسُفَ دَوْرٌ كَبِيرٌ فِي نُمُوِّ يَسُوعَ ٱلْجَسَدِيِّ وَٱلْعَاطِفِيِّ. فَقَدِ ٱعْتَنَى بِهِ جَيِّدًا بِحَيْثُ أَمْسَى رَجُلًا قَوِيًّا وَمُتَّزِنًا عَاطِفِيًّا. وَمَنَحَهُ ٱلتَّدْرِيبَ ٱللَّازِمَ لِيُتْقِنَ عَمَلَهُ. فَيَسُوعُ لَمْ يُعْرَفْ بِٱبْنِ ٱلنَّجَّارِ فَحَسْبُ، بَلْ أَيْضًا ‹بِٱلنَّجَّارِ›. (مر ٦:٣) لَا شَكَّ إِذًا أَنَّ تَدْرِيبَ يُوسُفَ كَانَ نَاجِحًا وَفَعَّالًا. فَكَمْ مِنَ ٱلْحِكْمَةِ أَنْ يَتَمَثَّلَ بِهِ رُؤُوسُ ٱلْعَائِلَاتِ ٱلْيَوْمَ، فَيَهْتَمُّونَ بِخَيْرِ أَوْلَادِهِمِ ٱلْجَسَدِيِّ وَٱلْعَاطِفِيِّ وَيُعَلِّمُونَهُمْ كَيْفَ يُعِيلُونَ أَنْفُسَهُمْ عِنْدَمَا يَكْبُرُونَ!
٣١ (أ) مَتَى مَاتَ يُوسُفُ بِحَسَبِ ٱلْأَدِلَّةِ ٱلْمُتَوَفِّرَةِ؟ (اُشْمُلِ ٱلْإِطَارَ.) (ب) أَيُّ مِثَالٍ تَرَكَهُ يُوسُفُ حَرِيٌّ بِنَا ٱلِٱقْتِدَاءُ بِهِ؟
٣١ حِينَ يَصِلُ سِجِلُّ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ إِلَى وَقْتِ مَعْمُودِيَّةِ يَسُوعَ بِعُمْرِ ٣٠ سَنَةً تَقْرِيبًا، يَكُونُ يُوسُفُ قَدِ ٱخْتَفَى عَنْ مَسْرَحِ ٱلْأَحْدَاثِ. فَٱلدَّلَائِلُ تُشِيرُ أَنَّ مَرْيَمَ كَانَتْ أَرْمَلَةً عِنْدَمَا بَدَأَ يَسُوعُ خِدْمَتَهُ. (اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ « مَتَى مَاتَ يُوسُفُ؟».) إِلَّا أَنَّ يُوسُفَ تَرَكَ بَصْمَةً وَاضِحَةً. فَقَدْ كَانَ عُنْوَانًا لِلْأَبِ ٱلْمِثَالِيِّ ٱلَّذِي حَمَى عَائِلَتَهُ، أَعَالَهَا، وَحَفِظَ ٱلْأَمَانَةَ حَتَّى آخِرِ لَحْظَةٍ مِنْ حَيَاتِهِ. فَهَلَّا تَقْتَدِي بَإِيمَانِهِ؟ يَحْسُنُ بِكُلِّ أَبٍ، بِكُلِّ رَأْسِ عَائِلَةٍ، بَلْ بِكُلِّ مَسِيحِيٍّ أَنْ يَفْعَلَ ذٰلِكَ.
^ الفقرة 4 فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ، كَانَتِ ٱلْخِطْبَةُ تُعْتَبَرُ ٱرْتِبَاطًا مُلْزِمًا مِثْلَ ٱلزَّوَاجِ.
^ الفقرة 8 لَمْ يَكُنْ هٰذَا «ٱلنَّجْمُ» ظَاهِرَةً فَلَكِيَّةً طَبِيعِيَّةً وَلَا هُوَ مِنْ قِبَلِ ٱللهِ. فَمِنَ ٱلْوَاضِحِ أَنَّ ٱلشَّيْطَانَ ٱسْتَخْدَمَ هٰذِهِ ٱلظَّاهِرَةَ ٱلْخَارِقَةَ لِلطَّبِيعَةِ كَجُزْءٍ مِنْ مُخَطَّطِهِ ٱلشِّرِّيرِ لِلْقَضَاءِ عَلَى يَسُوعَ.
^ الفقرة 11 يُظْهِرُ ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ بِوُضُوحٍ أَنَّ عَجِيبَةَ يَسُوعَ ٱلْأُولَى، أَيْ ‹بِدَايَةَ آيَاتِهِ›، لَمْ تَحْدُثْ إِلَّا بَعْدَ مَعْمُودِيَّتِهِ. — يو ٢:١-١١.